ان فكرة الحدود الطبيعية ليست في حقيقتها الا مجرد تبرير جغرافي للتطلعات التوسعية حين يعجز القادة السياسيون التوسعيون عن تقديم مبررات اخرى.
ان السعي الى حدود طبيعية (من عمل الطبيعة كالانهار والجبال)بحجة الاستجابة الى ضرورات استراتيجية يقتضيها امن الدولة كثيرا مايتخذ اداة لتقنيع اعمال الغزو والتوسع.
لقد كانت فكرة الحدود الطبيعية فيما قبل القرن التاسع عشر في اوروبا غير ذات اهمية,ذلك بان مبدأ الشرعية كان كافيا بذاته لتنظيم كل مايتصل بالعلاقات فيما بين الوحدات السياسية في شأن الاقاليم والسكان.
لقد كانت السيادة خاصة من خصائص الملوك الشخصية ,فكان مصير المدن والاقاليم بسكانها يتقرر تبعا لمصير اصحاب العروش او اراداتهم ,انه (حق العروش في تقرير مصائر الشعوب)
ذلك الحق الذي كان يشكل مبدأ من مبادىء دبلوماسية القارة الاوروبية حتى نهاية القرن الثامن عشر.
ولقد صحب قيام الثورة الفرنسية الكبرى 1789 اذاعة فكرة جديدة في هذا الصدد هي(حق الشعوب في تقرير مصيرها) والحق ان تاريخ القرن التاسع عشر في اوروبا لايعدو ان يكون تاريخ الصراع بين المبدئين القديم والجديد :بين مبدأ الشرعية (حق العروش في تقرير مصائر المدن والاقاليم بسكانها)من ناحية وحق الشعوب في تقرير مصائرها من ناحية اخرى.
ولقد كانت الجمهورية الفرنسية بأفكارها الثورية هي التي تتزعم بداهة ذلك الحق الجديد في مواجهة المبدأ القديم ,الامر الذي حتم عليها البحث عن ايديولوجيات جديدة تؤيد بها سياستها في شأن مشاكل الحدود فكانت فكرة (حق الشعوب في تقرير مصيرها)وفكرة الحدود الطبيعية كفكرتين بديلتين فلقد راحت فرنسا تلجأ في مواجهة المانيا وبصدد الحدود بينهما الى فكرة حق تقرير المصير بشأن منطقة الالزاس واللورين تارة والى فكرة الحدود الطبيعية تارة اخرى.
وذلك في ضوء قدرتها الفعلية ,لقد كانت تلجأ الى فكرة الحدود الطبيعية متجاهلة تماما ارادة السكان في تلك المنطقة وذلك في اعقاب انتصارها على المانيا,بينما كان حق الشعوب في تقرير مصيرها يشكل الملاذ الاخير بالنسبة لفرنسا المنهزمة لتبرر ادعاءها بحقها في الالزاس واللورين .
وهكذا كان البديل في سياسة فرنسا الجديدة بصدد مشاكل الحدود لدبلوماسية العروش القديمة هو حق الشعوب في تقرير مصيرها كسند ايديولوجي في دبلوماسية الضعف ,او فكرة الحدود الطبيعية كسند جغرافي لسياسة القوة.
مااردت الوصول اليه من هذا السياق التاريخ المختصر هو مايحدث في منطقة الشرق الاوسط وخاصة فلسطين ففي ايامنا هذه تلجأ اسرائيل الى فكرة (الحدود الطبيعية)
تلك ,تريد ان تختلقها بشتى الطرق وتجعلها كضرورة جغرافية من ضرورات امن الدولة وكمبرر لسياسة العنف والتوسع في المنطقة.
والحق ان الحدود الجغرافية الطبيعية ليست كافية لحدود سياسية صلبة فيما بين المجتمعات وبصفة خاصة في ظروف تكنولوجية الحرب المعاصرة.
ان اصدق الحدود السياسية واقدرها على الاستمرار هي تلك التي ترتكز اكثر ماتكون على التميز الحضاري او القومي بين الشعوب المتجاورة ,ان الاحساس بالذات الحضارية او القومية حين تقف امام احساس الاخرين بذاتيتهم تحدد بوقفتها هذه اصلب الحدود السياسية واقدرها على الاستمرار.
ومافكرة الحدود الطبيعية بمدلولها المتقدم الا ايديولوجية جغرافية كثيرا ماتتخذ اداة لتقنيع استراتيجيات التوسع.
ـــــــــــــــــــــــــــ
طل املوحي
4/9/2008
www.allarabs.org
www.talmallohi.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق